اشبع أكل، متشبعش اكتشاف!

قد لا يختلف الأمر بالنسبة لك، سواء تناولت الشاورما في سوريا أو تركيا، وعلى الطريقة السورية أو التركية، يهمّك فقط أن تشاهد الشّيف وهو يقطّع اللحم المكدّس اسطوانيًا، وتتطاير قطع اللحم المشوي على الفحم أو الغاز، على صينيّةٍ مقعّرة مليئة بالزيت والدهون، وثمّ تُفرد الأرغفة ويبدأ العدّ التنازلي لاستلام أطيب سندويشة شاورما مع مخلّلاتها وربما، مشروبًا باردًا. ولكن البعض يحاول الوصول إلى جوابٍ شافٍ ليعرف هل بلاده هي أصل هذه الأكلة اللذيذة؟ وهل هي تركية أم سورية؟ أم لها أصلٌ آخر؟
هل الشاورما تركية أم سورية؟
يُقال أن أصل الشاورما يعود إلى تركيا، حيث أكدت العديد من الروايات أن وجودها الأول لم يكن في سوريا، وأن اسمها الأول والروايات المختلفة لأصولها، تبعد تخيلاتنا أنها من أصول سورية.
تحكي معظم المصادر أن أصول الشاورما تعود إلى تركيا، وتحديدًا إلى مخترعها وهو الألماني ذو الأصول التركية “قدير نورمان”، الذي نُسب إليه اختراع أول سندويشة شاورما تركية، وكان قد أطلق على هذه الألكلة في ألمانيا اسم “الدونر (Doner)”، حيث صنع للألمانيين عام 1973، وكان يبيعها في فرن في مدينة برلين، وقد حمل قدير لقب “أبو الشاورما”، وتوفّي في 2013.

أشارت بعض الروايات أن اسم الأكلة القديم الأول كان “çevirme”؛ وهي مصطلح تركي يعني “الانعطاف”، وقيل أن سبب تسميتها بهذا الاسم هو شكل سيخ الشاورما الذي يدور وينعطف كل الوقت أمام نار الغاز أو الحطب، ولكن تغيّر اسمها بمرور الوقت في تركيا، وأصبح “دونر” كما سماها قدير نورمان.
إثبات آخر أن أصولها تعود إلى تركيا، وهو إشارة بعض المصادر التركية أنها قد صُدّرت للعرب، وذلك من خلال الحجاج الأتراك الذين عبروا الحدود في رحلاتِهم للحج عبر سوريا، ويُقال أنهم كانوا في رحلة حجهم، يتوقفون لطهي طعام سريع، فكانوا يضعون سيخا معدنيا ويلفونه بقطع اللحم ويقومون بطهيه بواسطة النار أسفله، فعدّل أهالي بلاد الشام على الطريقة، وأنتجوا الشاورما السورية.
يعتبر السوريون أن ملكيّة اختراع الشاورما تعود لهم، وحجّتهم على ذلك أنّ بهارات الأكلة بهارات شرقية وعربية في الأصل، وأغلبها غير متواجد في تركيا، كما أنّها تُلَفّ بالخبز العربي غير الموجود في تركيا أيضًا. في حين يعترف البعض من السوريين أن الأكلة ذات أصول عثمانية، وقد خرجت من منطقة بورصة (Bursa) التركية، حيث نُسبت إلى “محمد اسكندر أفندي” الذي يُقال أنه اخترع أول سيخ شاورما عمودي في الفترة، ما بين 1850 و1870 ميلادية.
عمومًا، تختلف الشاورما التركية عن السورية، حتى في الاسم؛ فيُقال أن “الشاورما السورية” اسم مشوّه ومُعدّل من “القاورما التركية”، كما تختلف في طريقة التحضير. يُقال أن أول من أنشأ مطعم شاورما في سوريا هو الطاهي “صدّيق الخباز”، وكان ذلك عام 1906 في منطقة المرجة بدمشق، وأسماه مطعم “الصديق”، وما زال قائمًا إلى يومنا هذا في نفس المكان.

هل تختلف الشاورما التركية عن السورية في طريقة التحضير؟
بغضّ النظر عن الأصول الأولى لإعداد الشاورما، تُعتبر اليوم من أشهى أطباق الوجبات السريعة، وهي جزء من الوجبات الشامية التقليدية، وتحظى بشعبية كبيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط، وعلى الرغم من تعدد أنواعها بحسب المنطقة التي تقدمها، إلا أن المكونات الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها في الأكلة، مشتركة بين جميع الدول المحبة لها والتي تقدمها.
طبعًا لا تقتصر شهرة الأكلة على سوريا وتركيا ودول الشرق الأوسط عمومًا، فهناك في اليونان طبقٌ يُسمى “الجيرو (Gyros)”؛ عبارة عن طبق يوناني يتكون من لحم مطبوخ على سيخ شوي عمودي – وهو طبق في اليابان مشابه – محشو في خبز البيتا أو ما يعرف بـ “الخبز السوري” في منطقة الشرق الأوسط، مع مكونات أخرى.
الشاورما السورية
لنقُل أن أكثر ما يميز الشاورما السورية هو كريم الثوم والمايونيز، وإدراج المكونات في رغيفٍ من الخبز السوري، إضافة إلى البهارات المختلفة التي تُضاف إلى اللحمة وتُخمّر فيها، والتي قد يصل عددها إلى 15 صنفًا بحسب الرغبة، منها البهار الأبيض والأسود والقرنفل والزنجبيل والهال، والملح وجوزة الطيب، وبودرة البصل والماجي، وغيرها من النكهات والبهارات المشكّلة.

يستخدم السوريون لحم الدجاج، طبعًا لحم الدجاجة كاملًا مسحوبًا منه العظم، وعن الصلصة التي يُتبّل فيها اللحم قبل وضعه على السّيخ للشواء، فهي مكوّنة من اللبن والليمون والثوم والبهارات السابقة، ومكونات أخرى، ثم تُنقع لمدة 24 ساعة على الأقل، وأحيانًا لمدة 36 ساعة، ثم تُرتب على السيخ، ويشويها نار الغاز أو الفحم. تُقطّع الطبقة الخارجية من اللحم المشوي وتُسقط بالزيت والدهون. هنا يُفرد الرغيف السوري، وتُسطّر عليه قطع اللحم، وتُضاف شرائح المخلل وكريم الثوم إلى السندويشة، وتُدرَج، وتُسخّن.
والجدير بالذكر أن للشاورما السوري عدة أنواع؛ فهناك “الشاورما العربي” وهي سندويشة مقطّعة إلى مستطيلات، تُقدم في صحن وإلى جانبها كريم الثوم والمخللات والقليل من البطاطا المقلية وأنواع أخرى من الخضار ربما. ونوع آخر هو “شاورما الإكسترا” والتي يُضاف لها الفطر وجبنة القشقوان وكريم الثوم، وتأتي على شكل مربّع مقطّع. و”شاورما البانيه”؛ عبارة عن سندويشة شاورما يتخللها جبنة شيدر أو قشقوان، وتُغمس السندويشة في مخفوق الحليب والبيض، وثُم تُنشف في كعك مطحون، وأخيرًا، تُقلى بالزيت.
الشاورما التركية
تُقدم الشاورما التركية على شكل سندويش أيضًا، ولكن الفرق الأول بينها وبين السورية، هو نوع الخبز، فيستخدم الأتراك الخبز التركي “إكميك (Ekmek)”، أو نوع خبز آخر يدعى “بارمكلي”؛ عبارة عن رغيف خبز سميك، أو خبز “لافاش (Lavash)” الذي يشبه إلى حدٍّ ما خبز الصاج السوري، ولكن خبز لافاش أسمك قليلًا.

وبالنسبة للحم ، يستخدم الأتراك صدر الدجاج فقط، ويتبّلونه بالصلصة الحارة وتبلة بهارات الشاورما التركية (3-4 أنواع بهارات)، ويُقال أنهم يعتمدون بشكل أكبر على الصلصة الجاهزة والصوص الحار ودبس الفليفلة. قد تُضاف البطاطا إلى سندويشة التركية، بحسب الرغبة، ويُقدم البقدونس والبصل والمخللات إلى جانب السندويشة، وأي نوع تريد من السلطة.
هناك أيضًا نوع آخر للشاورما التركية، تُحشى فيه السندويشة أمعاء الخروف بدلًا من الدجاج، وتعرف هذه باسم “كوكوريج (kokoreç)”، ولها تتبيلتها الخاصة.
سواء كانت سورية أو تركية أو ألمانية أو غير ذلك، فحُب الشاورما لا يختلف عليه اثنان عاقلان أبدًا. وإن كنت في اسطنبول وترغب في في وجبة شاورما شهيّة “على الأصول” من أشهى وألذّ المكوّنات وبأيّ طريقة تحضير تفضّلها، فعليك الاطّلاع على قائمتنا بأفضل مطاعم شاورما في اسطنبول مقدّمة إليك عبر تطبيق جوعان.